📁 الأكثر بحثاً

الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)

الدليل التشخيصي والإحصائي (DSM-5): كيف يُستخدم لتشخيص اضطراب طيف التوحد (ASD)؟

يُعد **الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)** الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، بمثابة البوصلة للمختصين في الصحة النفسية والنمائية حول العالم. إنه الكتاب والأداة الموحدة التي تضمن أن الأطباء والأخصائيين النفسيين يستخدمون نفس المعايير لتحديد وتشخيص الاضطرابات. بالنسبة لاضطراب طيف التوحد (**Autism Spectrum Disorder - ASD**)، أحدث **الإصدار الخامس (DSM-5)** تغييرات جذرية في طريقة فهم وتشخيص التوحد.

[Image: DSM-5 book cover or diagram of Autism spectrum]

1. التطور التاريخي: النقلة النوعية من DSM-IV إلى DSM-5

قبل عام 2013، كان **DSM-IV** يصنف التوحد ضمن فئة واسعة تسمى "الاضطرابات النمائية الشاملة" (PDD)، وتشمل تشخيصات منفصلة مثل: اضطراب التوحد، متلازمة أسبرجر، واضطراب الطفولة التفككي.

الدمج في مفهوم الطيف (Spectrum)

قام **DSM-5** بدمج جميع هذه التشخيصات تحت مظلة واحدة وهي **اضطراب طيف التوحد (ASD)**. هذا التغيير يعكس الفهم العلمي بأن التوحد هو اضطراب واحد يظهر بدرجات متفاوتة من الشدة والنوعية، وليس اضطرابات منفصلة. وألغى **DSM-5** تشخيص متلازمة أسبرجر المستقل.


2. المحكات التشخيصية الأساسية لاضطراب طيف التوحد

يعتمد تشخيص **التوحد** وفقاً لـ **DSM-5** على استيفاء جميع المحكات (Criteria) الخمسة: **A, B, C, D, و E**. وأهمها المحكان (A) و (B).

المحك (A): القصور المستمر في التواصل والتفاعل الاجتماعي

يجب أن يظهر الفرد قصوراً في جميع المجالات الثلاثة التالية:

  • **القصور في التواصل الاجتماعي العاطفي المتبادل:** يتراوح من عدم القدرة على بدء تفاعل اجتماعي أو الاستجابة له، إلى الفشل في مشاركة الاهتمامات والعواطف.
  • **القصور في السلوكيات التواصلية غير اللفظية:** ضعف في التواصل البصري، لغة الجسد غير المفهومة، أو عدم التناغم بين التعبيرات اللفظية وغير اللفظية (مثل نبرة الصوت وتعبيرات الوجه).
  • **القصور في تطوير وفهم وإدامة العلاقات:** صعوبة في تكييف السلوكيات مع السياقات الاجتماعية المختلفة، صعوبة في تكوين صداقات، وغياب الاهتمام بالآخرين.

المحك (B): أنماط متكررة ومقيدة للسلوك أو الاهتمامات أو الأنشطة

يجب أن تظهر علامات في مجالين على الأقل من الأربعة مجالات التالية:

  • **الحركات النمطية أو التكرارية:** مثل الرفرفة باليدين، هز الجسم، أو الاستخدام النمطي للأشياء (مثل تدوير عجلات السيارة باستمرار).
  • **الإصرار على الروتين أو المقاومة المفرطة للتغيير:** التمسك بطقوس محددة أو انزعاج شديد من أدنى تغيير في البيئة أو الجدول اليومي.
  • **الاهتمامات المقيدة والمكثفة بشكل غير طبيعي:** اهتمامات غير عادية في شدتها أو تركيزها (مثل الهوس بأرقام القطارات أو أجزاء ميكانيكية معينة).
  • **فرط أو نقص الاستجابة للمدخلات الحسية:** ردود فعل غير عادية تجاه الألم أو الحرارة، الانبهار المفرط بالضوء أو الحركة، أو النفور من أصوات أو ملامس معينة.

3. محكات الشدة الزمنية والوظيفية (C, D, E)

لا يكفي ظهور الأعراض، بل يجب أن تحقق الشروط التالية لتأكيد تشخيص **اضطراب التوحد**:

  • **المحك (C):** يجب أن تظهر الأعراض في **فترة النمو المبكرة**، حتى لو لم تتجلَّ بشكل كامل إلا بعد ازدياد المتطلبات الاجتماعية.
  • **المحك (D):** يجب أن تسبب الأعراض **قصوراً سريرياً هاماً** في الأداء الاجتماعي، المهني، أو مجالات الأداء الهامة الأخرى.
  • **المحك (E):** يجب استبعاد أن تكون هذه الاضطرابات مفسرة بشكل أفضل من خلال **الإعاقة الفكرية** أو **التأخر النمائي العام**.

4. تحديد مستويات شدة اضطراب طيف التوحد (Specifiers)

لتحديد الدعم اللازم، يحدد **DSM-5** شدة التوحد بناءً على مستوى الدعم المطلوب في كل من مجالي التواصل والسلوكيات المقيدة:

المستوى 3: يتطلب دعماً كبيراً جداً (Severe)

**التواصل:** قصور شديد في مهارات التواصل الاجتماعي اللفظي وغير اللفظي؛ استجابة محدودة جداً للتفاعل الاجتماعي. **السلوك:** المرونة الشديدة، صعوبة بالغة في التكيف، والسلوكيات المقيدة تتدخل بشكل كبير في الأداء.

المستوى 2: يتطلب دعماً كبيراً

**التواصل:** قصور واضح في مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي؛ التفاعل الاجتماعي محدود حتى مع الدعم. **السلوك:** صعوبة واضحة في التكيف مع التغيير، والسلوكيات المتكررة واضحة للمراقب العادي وتتدخل في الأداء.

المستوى 1: يتطلب بعض الدعم (Mild/High Functioning)

**التواصل:** يمكنه التحدث بجمل كاملة، لكنه يواجه صعوبة في بدء التفاعل، أو في الحفاظ على المحادثات المتبادلة. **السلوك:** صعوبة في التبديل بين الأنشطة أو مقاومة طفيفة للتغيير، والسلوكيات المقيدة تسبب تدخلاً واضحاً فقط في غياب الدعم.


5. كيفية تطبيق DSM-5 في الممارسة السريرية (العيادة)

يُستخدم **DSM-5** كأداة **"تشخيص"** وليست أداة **"تقييم وظيفي"**. لا يُستخدم الدليل بمفرده، بل يتم دمجه مع أدوات معيارية أخرى:

  • **مقابلة الوالدين (ADI-R):** للحصول على تاريخ نمائي مفصل وفقاً لمعايير **DSM-5**.
  • **ملاحظة التشخيص (ADOS-2):** لتقييم المهارات الاجتماعية والتواصلية والسلوكيات المتكررة من خلال اللعب المنظم.
  • **التقييم الوظيفي (ABBLS/VB-MAPP):** بينما يحدد **DSM-5** وجود التوحد، فإن أدوات مثل ABBLS أو VB-MAPP تُستخدم لتحديد مستوى مهارات الطفل **حالياً** وتصميم الخطة العلاجية السلوكية والتعليمية.

**الخلاصة:** **DSM-5** هو البوصلة التي توجه عملية التشخيص، مؤكداً على أن **اضطراب طيف التوحد** هو قصور مستمر في مجالين أساسيين (التواصل/التفاعل والسلوكيات/الاهتمامات المقيدة). التشخيص الصحيح والمبكر وفقاً لهذه المعايير هو الخطوة الأولى والضرورية للوصول إلى التدخل السلوكي الفعّال.

أخصائي تربية خاصة
أخصائي تربية خاصة
تعليقات